انتخابات فرنسا.. نبوءة «لوبان الأب» تتحقق ومخاوف من صعود اليمين المتطرف بالقارة العجوز

انتخابات فرنسا.. نبوءة «لوبان الأب» تتحقق ومخاوف من صعود اليمين المتطرف بالقارة العجوز


"اليوم الولايات المتحدة وغداً فرنسا".. عبارة دونها القطب اليميني الفرنسي جان ماري لوبان، عقب وصول المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في عام 2017.
لم تكن كلمات "لوبان الأب" مجرد حلم بل نبوءة تحققت جزئياً على يد ابنته مارين، مرشحة التيار اليميني والمنافسة لإيمانويل ماكرون في رئاسيات فرنسا 2022.
وفي وقت سابق، الاثنين، أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية، النتائج النهائية لانتخابات الرئاسة، بفوز الرئيس إيمانويل ماكرون على منافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان بـ58.54 بالمئة من الأصوات.
لكن حصول مارين لوبان على 42 بالمئة من أصوات الناخبين بزيادة نحو 9 بالمئة على انتخابات 2017 في فرنسا، يحمل في طياته جملة دلالات ومؤشرات على صعود تيار اليمين السياسي المتطرف في أوروبا.
ونتائج انتخابات فرنسا هي الأولى في تاريخ البلد الأوروبي، التي يحصل فيها اليمين المتطرف على أكثر من 14 مليون صوت انتخابي، ما يثير المخاوف الأوروبية رغم فوز ماكرون. 
ومنذ صعود دونالد ترامب للسلطة في الولايات المتحدة، داعب الطموح التيارات اليمينية المتطرفة في تولي مراكز السلطة بالقارة العجوز، وانجراف أوروبا نحو الاستبداد اليميني الشعبوي. 
ورغم تمكن ماكرون من قطع الطريق على لوبان في الوصول إلى قصر الإليزيه، فإن حصول اليمين المتطرف في فرنسا على نسبة 42 بالمئة من الأصوات الانتخابية، ينذر بدخول البلد الأوروبي معركة أكثر سخونة في يونيو المقبل مع الانتخابات البرلمانية.
وبحسب مراقبين، إذا استطاعت لوبان استغلال هذه القاعدة التصويتية، فإنه من الممكن أن تحرم حزب ماكرون "الجمهورية للأمام" من الحصول على نسبة 50 بالمئة من الأصوات المطلوبة لتشكيل الحكومة الفرنسية، ما يؤهلها إلى المشاركة في حكومة ائتلافية.
ويأتي احتمال مشاركة لوبان بالحكومة القادمة في ظل نظام سياسي شبه رئاسي، ليفتح ملفات شديدة الحساسية كالهجرة والإسلاموفوبيا والانسحاب من الاتحاد الأوروبي ودعم روسيا وغيرها.
زعيمة اليمين المتطرف معروفة بعلاقات قوية مع الرئيس فلاديمير بوتين وكثيرًا ما عبرت عن إعجابها به، وكل ذلك يهدد فرنسا بحالة من عدم الاستقرار السياسي ويؤثر على علاقاتها بشركائها في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والولايات المتحدة.  
ويذكر أن حزب الجبهة الوطنية، تأسس بزعامة جان ماري لوبان في 1972، إلا أنه كان منبوذا ولم يجد أرضا خصبة للنماء فيها، حتى أحداث 11 سبتمبر 2011، التي مثلت فرصة حقيقية لليمين المتطرف في أوروبا للإعلان عن نفسه كطريق للخلاص من "الإرهاب الإسلامي".
وعقب اتهام العرب والمسلمين بتنفيذ هجمات سبتمبر في الولايات المتحدة، تحول مسار الحزب اليميني بوصول مارين إلى رئاسته خلفا لوالدها، وقد طورت كثيرًا في أداء الحزب حتى وصل إلى الاستحواذ على أكثر من 40 بالمئة من أصوات الرأي العام الفرنسي.
وبدأ تنامي القلق الأوروبي من صعود اليمين المتطرف في الجولة الأولى للانتخابات، والتي كشفت تهديد مارين لوبان لماكرون بشكل أكبر من نظيرتها الماضية في عام 2017، فيما أعربت الصحف الألمانية والبريطانية عن مخاوفها من صعود التيارات اليمينية وتأثير ذلك على الاستقرار في أوروبا.
وبالتزامن مع صعود اليمين المتطرف في فرنسا، تراجع الحزبان التقليديان "الاشتراكي" و"الجمهوري"، ما يضاعف من حجم المخاوف الأوروبية، بحسب محللين. 
ومع الإعلان عن فوز ماكرون نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تحليلا قالت فيه إن "أوروبا والولايات المتحدة شعرتا بحالة من الارتياح للفوز، لكن الخطر ليس بعيدًا في ظل المخاوف المتصاعدة من تنامي اليمين المتطرف الذي تتزعمه المرشحة الخاسرة مارين لوبان المعادية للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو".
وأوضحت الصحيفة أن "لوبان تروج لأفكار تمثل مخالفة واضحة لقيم فرنسا الأصيلة، التي ترفض التمييز ضد أي مواطن فرنسي بسبب دينه، كما أن أوروبا تعيش ظروفا حرجة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وما كان يمكن لها أن تخوض تجربة مقلقة مع وصول لوبان لحكم فرنسا البلد الأوروبي المحوري".
وأشارت إلى تصريحات وزير الخارجية الفرنسي، جين يافيس لورديان، بأن "نتائج التصويت تعكس احتشاد الفرنسيين خلف الحفاظ على قيم فرنسا وضد الرؤية الضيقة للوطن الفرنسي"، إلى جانب وصف المستشار الألماني أولاف شولتز فوز ماكرون بأنه "التصويت على الثقة في أوروبا".
بدورها قالت الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية بمصر، إن صعود التيار اليميني القومي في فرنسا لم يكن جديدا بل سبقه مضاعفة عدد مقاعدهم في البرلمان الأوروبي وصعودهم اللافت في السويد وبريطانيا والمجر وصربيا وهولندا.
وأوضحت الشيخ لـ"جسور بوست"، أن هناك تحولاً في المزاج العام باتجاه أحزاب اليمين القومي المتشدد في القارة العجوز، وذلك تحت تأثير حالة عدم الرضا داخل المجتمعات الأوروبية، خاصة في ما يتعلق بقضايا الرفاه الاقتصادي والأوضاع المعيشية.
وأضافت: "قطاع واسع من شعوب أوروبا لديه حالة سخط إزاء تضاعف أعداد المهاجرين واللاجئين العرب والأفارقة، على وقع الاضطرابات السياسية والأمنية في بلدانهم".
وعزت نورهان حالة الغضب الأوروبي حيال قضايا المهاجرين واللاجئين إلى تنامي معدلات البطالة وتأثر الأوضاع المعيشية والاقتصادية في معظم دول أوروبا.
وأكدت أن المواطن الأوروبي بات يبحث عن القوى السياسية التي تعلن التعامل بحسم مع قضايا الهجرة واللجوء ومظاهر الإسلاموفوبيا، وتتعهد بتحسين مستويات المعيشة بعد التدهور الحاد الذي أصابها على وقع الحرب الأوكرانية.
وقالت نورهان: "أوروبا تعيش معضلة ثقافية تنذر بتحولات جذرية في كل مناحي الحياة"، متوقعة مواصلة تيارات اليمين المتشدد في الصعود إلى مراكز صنع القرار الأوروبي.
وتوقعت الشيخ أن تكون الولاية الرئاسية الثانية لماكرون في فرنسا، شديدة الصعوبة بسبب حالة الشد والجذب المرتقبة إزاء استعداد المرشحة اليمينية مارين لوبان الحصول على الأغلبية البرلمانية في الانتخابات المقرر إجراؤها في يونيو المقبل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية